أريجُ القمر
في قَديمِ الزَّمان، كانَ هناكَ رَجُلٌ ذو سُلطَةٍ ونفوذ، فَقد كانَ زَعيمُ القَريةِ التي يعيشُ فيها؛ كانَ هذا الرَّجُلُ ذو جاهٍ ومالٍ وَصيتُهُ بالخير على كلِّ لِسان؛ كانَ محطَّ انظارِ جَميع الفَتياتِ في القرية، إلّا أنَّ قلبَهُ لم يَشرُعْ أشرِعَتهُ سوى لأريجِهِ (أريجُ القمر ).
كانت في حُسنها كالقَمر! أو تزدانُ عليهِ حُسنًا ورونقا؛ كانت أجمَلهُنَّ في القَريَةِ وأكثرُهنَّ طيبةً وَرزانة! فجميعُ مَن عَرَفها قد وَقعَ في غرامِها؛ إلّا أنَّ قلبها لمْ يَقع في شِباكِ أيٍّ منهم، سوى ذاكَ الذي فتحَ لها أشرِعَته بصَدرٍ رَحبِ لِقَلبِها (أحمد)؛ فقَد سَطا عليهِ كَمن يحتلُّ الجِنانَ لبَديعِها!
مرّت الأيام، وتزوَّجَ كلٌّ مِن أريجَ واحمد، وعاشا بِسَعادَةٍ غامرَة لم تَسَعهُما، إلّا أنَّه ليسَ مكتوبٌ لِتِلكَ السعادَةِ ان ترسو بينَ خِلجانِهما للأبد؛ فبَعدَ مرورِ العَديدِ مِنَ السنينِ على زواجِهما، إلّا أنَّهُما لمْ يُرزَقا بمَولودٍ يَحمِلُ اسمَ احمد (زعيمُ القريَة)، فبدَأتِ الأقاويلُ في الإنتِشار، وأنَّ احمد لا يصلُحُ أن يكونَ الزَّعيم؛ فَكيفَ بِزَعيمٍ ليسَ لهُ مِن وَلَدٍ يَحمٍِلُ اسمَه ويَخلُفهُ من بَعدِه؟
كانَ احمد يعتَصِرُ ألمًا من هذهِ الأقاويل، لكن لم يَكُن باستِطاعَتِه فِعلُ شيء، وخاصةً أنَّه يعلَمُ انَّ اريجَهُ العَقيم! لكن لَم يَنبَس بِبنتِ شفة لأيّ كائنٍ حَي؛ حتّى لا يغتالوا أريجَ القمَرِ مِن عَرشِ قَلبِه؛كانت الأريجُ تَعلَمُ بالمُرِّ الذي لا يَفتَؤ ان يُغادِرَ روحَ احمد، وكُلُّ هذا بِسَبَبِها.
وفي أحدِ الايّام، وَصلَ لأريج قدومُ إحدى العائلاتِ ـ والتي كانت مغترِبةً ـ إلى القَريَّة، وبأنَّهم ينوونَ الإستِقرارَ فيها؛ وأنَّ لديهِم ابنةٌ قد ترمَّلت في رَيعانِ شَبابِها، فلَم تَحصُد مِن هذا الرَّيعانِ سوى زَهرَةٍ صَغيرَةٍ كَزَهرِ الرَّيحانِ الغَض! حينَها؛ لَمَعتْ في خاطِرِ أريجَ فِكرَةٌ لنْ تَخطُرَ في البال، فقرَّرت أن تُزوِّجَ أحمد لهذهِ الأرمَلة، لكي تُنجِبَ لهُ مَن يَخلُفهُ مِن بَعدِه.
باشرتْ اريج في تَنفيذِ الفِكرة، كانتْ على يَقينٍ تام بأنَّ أحمد لن يَقبَلَ الزواج عليها حتّى لو وافتها المَنيَّة، لِذا لَم يَكُن لَديها سوى هذا الخَيار حتّى ولو كانَ باخِعٌ لِقَلبِها، فَقلبُ احمَد وكَظمِ الأقاويلِ عنهُ هوَ ما يُثلِجُ قيظُ قَلبِها.
قامت اريج بِدعوَة مروى (الأيِّم) إلى بيتِها لتَتعرّفَ عليها، وحينَ اجتمعتا؛
_ قالت اريج: أهلًا وسهلًا بِكِ عَزيزَتي في بَيتي المُتواضِع.
_ ردَّت مروى: شُكرًا لِلُطفِكِ بأنْ دَعوتِني إلى منزِلك ـ منزِلُ زَعيمِ القَريَة ـ .
_ أريج: العَفو لكِ عزيزَتي، فأنا أردتُ التَّعرُّفَ بِكِ لما قالوه عَنكِ في القَرية.
_ مروى وبقلق: ماذا؟ ماذا قالوا لكِ عنّي؟ طَمئِني قَلبِيَ الوَجِس؛ ارجوكِ.
_ اريج: لا تَقلقي يا عَزيزَتي، فَلم يَصِلُني عَنكِ سوى كُلُّ خير؛ لهذا أردتُ التعرُّفَ بِكِ، فهُنا في هذهِ القَريَة يَصعُبُ تَكوينُ الصداقات؛ فكَما تَعلمين أو كَما قد وَصلَكِ مؤكدًا، أنَّ زوجي مِن خيِرَةِ القَساوِرَةِ هُنا وأنَّهُ لا يَرُدُّ أحدًا إلتَجأه، فهوَ حَصيفٌ معَ القاصي والداني؛ وكُلُّ الأنظارِ عليه، لذا يَصعبُ عليَّ موالاةُ مَن لا يَرتَجي قَلبي مِنهُ حُسنا.
_ مروى: وأنا؟ ماذا ارتأيتِ في قَلبي؟
_ أريج: كُلُّ الخَيرِ بإذنِ الله.
وجرى بينَهُما حَديثٌ مُطوَّلٌ انشرحَتْ فيهِ كلٌّ مِنهُما للأخرى؛ فأريج قد دَنتْ مِن غايتِها التي تَرنو لها، ومروى قد اكتَسبتْ خَليلةً لها في هذا المَكانِ مُقفِرُ المَشاعِرِ غائلُ الوِجدان.
وبِمُرورِ الأيّام أصبحت كلٌّ مِن اريجَ ومروى كالأختين، فَغُلَّتْ اواصِرُ المَحبَّةِ بَينَهُما، وأصبحا كتوأمٍ للروحِ والجَسد! هُنا، قد وَصلت اريج لِغايتِها والتي كانت في مَضُدِ التَّخطيطِ لها، مُنذُ ما يُقارِبُ السَّنةَ ونيف؛ حينها...
أقبَلَ الوُفودُ من كُلِّ حَدبٍ وَصوبٍ في القَرية، حينَما أعلَنت اريج وامامَ اعضاءِ مَجلِس القَرية، بإنها تُزوِّجُ بَعلَها مِن خليلتِها على سنة الله ورسوله، وبحضورِ الجَميع.
قَد جَنَّ جُنونُ أحمد مِن هذا النبأ الذي وَقَعَ عليهِ كَهزيمِ الرَّعد؛ واستنكَرَ كلّ ما قالتهُ زوجُه مِن هذه التّرهات، إلّا انها واردَفت على كلامِها بأنها ستنفصِلُ عنه إذا لم يَقبَل بِقَرارِها.
كانَ ما فَعَلتْهُ اريج قد قَصَمَ قلبَ أحمَد، وبعثرَهُ إلى أشلاء؛ فما كانَ مِنه إلّا ان يقبَلَ بهذا القَرار التَّعسفي، والذي فَرضتهُ أريجُهُ عليه ـ خاصّةً بِوجودِ أعضاءِ مَجلِسِ القَرية ـ، فتمَّ الزّواج.
وبَعدَ مرورِ سَنة، رُزِقَ احمد ومروى بمولودِهما (عُمر)، والذي أثلجَ قَلبيَّ أحمد وأريج بعدَ طولِ السّنينِ العَقيمة، والتي اجتاحتْ حياتَهما الزوجيَّة.
كانت عائلةً صَغيرَةً سَعيدَة، فَلم يَكن ذاكَ المَعهودُ ما بينَّ الضرائر، بَل كانَتا كالأختين! فكلُّ مَن عَرِفَهُما أحبَّ ما يربِطُ بينَهُما.
ومِنْ أحَدِ طرائِفِهما مع أحمد، أنَّه قد ألمَّتْ نِساءُ أعضاءِ مَجلِسِ القَريَة على طقسٍ خاصٍ بِهنّ؛ إذ تجتَمِعُ ثلاثونَ امرأةٍ فقط، يتناوَبنَ الزّيارةَ الصباحيّة عندَ واحدة مِنهن يوميًّا؛ فكانَ اليومُ الذي وَقَعَ على زوجاتِ احمد، ان اجتَمَعتْ الثلاثونَ امرأةً في البيت، فقامتا كلًّا مٍن اريج ومروى بإعدادِ ما لذَّ وطابَ مِنَ الطَّعام، وتقديمِه للنّسوة؛ لكنَّهما وَقعا في غَفلَةِ أنّ زوجَهما قد نبَّأهُما بِزِيارَةِ رؤساءِ القرى المُجاوِرَةِ لهم في هذا اليوم، وأن يُعدّا الطعامَ لهذا الوَفدِ الحاضر، إلّا انَّ انشعالَهُما بِطَقسِ النِّسوة، قَد أنساهُما ما طُلِبَ منهُما؛ وَحينَ قدومِ أحمَد مع وَفدِ الرّؤساء، لمْ يَكن لَهُ ما أمرَ به! حينها اشتدّ غيظُهُ مِنهُما، وأقسَمَ عليهِما ألّا يَخرجا مِن بابِ المَنزِلِ في الغد.
لكن، هذا الطَّقسُ المَزعومُ بَينَ النّساء، إن أخلّتْ بِهِ إحداهُن فإنَّهُ يَتمُّ إقصاؤها مِنَ المَجموعة؛ لذا، لمْ ترغَب كلٌّ من اريج ومروى ان يَتمَّ إقصاؤُها؛ فتمكّنتا من المُشارَكَةِ في الطّقس بِدَهائهِم
0 تعليقات