بريقُ القَمر
في ليالِي الربيعِ اللافِتِ، وعلى أحدِ الأكواخِ الصَّغيرةِ المُضيئةِ على تِلالِ لندنِ العريقة، كانَ يفوحُ منهُ دخانٌ وكأنهُ في أيامِ الحِكاياتِ القديمة.
فتاةٌ تبلغُ السابعةَ عشرَ من عُمرها، وكانَ اسمها أوجين، تَقطُنُ مع والدِها المُزارعِ سيمور في أحراشِ هذا الكوخِ الظريفِ، فلديهِ مزرعتهُ التي يَقتَنِي منها القوتَ كلَ صَباح، تعملُ أوجين مع أبيها كلَ يومٍ، فهيَ عاطلةٌ عنِ الدراسةِ، لكنَّ السعادةَ لا تُفارقهم أبدًا، توجدُ أرضٌ أمام الكوخِ تُطلُ على عالمها الفاتِن.
فَتى يبلغُ العشرينَ من عمرهِ، وكانَ اسمهُ جيدن، طالبُ مدرسةٍ حتى مُعلمٌ فيها، يذهبُ لتقديمِ الدروسِ والعودةِ إلى مننزلهِ الشاهِق.
مدرسةُ الحيِّ تكُونُ على الجانبٍ الآخرِ منَ الكُوخ، جيدن يمرُ بجانِبه في كُلِ ليلَةٍ، فالمسلَكُ مشتركٌ بينهم، لم يكُن لأوجين فُرصةً لتَّعلمِ على الإطلاق، فحالتهم لا تسمحُ لها بالدخولِ إلى صفها الدراسيِّ ورؤيةِ مُستقبلها الذي بينَ جِفناها، على غِراءِ هذا فقد كان لا يُسمحُ لأحدٍ الإشتراكِ بهذه المدرسةِ غيرُ ذو شَأنٍ.
تَوالت الأيامُ العَابرَةُ بينَ الحِينِ والآخرِ في نفسِ الجَوف، حتى بدأَ الفتى في اختلاسِ نظراتهِ من خلفِ الجدارِ المَارِ في طريقه للمدرسة، وفي لحظةٍ قد شاهدَ جيدن أوجينَ مع أبيها تُساعدُهُ فِي زِراعةِ حُقولِ الغَبْرَاء، أطالَ النظرَ لِوهلةٍ؛ فَذُهلَ لحُسنِ المَنظر، أصبحَ يفعلها كثيرًا ويَتطلعُ إليها تارةً وراءَ تَارة.
رَمِضَ المِعادُ الذي تكونُ فيهِ أوجينَ بجانبِ الجدارِ تَعمل، فعندَما جاءَ الفتى يستلذُ ببعضِ الرُؤَى منها، كانتْ المفاجأَةُ باصطدامِ أعُينِهما ببعضهما البعض!
فُزِعَ كلٌ منهما بِحُبِ الفؤادِ لجوفهما، أصبحَ هَمَّهُ الوحيدُ هوَ كيفَ لهُ أنْ يَلتقيَانِ في ملامحِ حِسهما؟
لا يكادُ الشِبلُ إلا أنْ يَكتُبَ المكاتيبِ والمَراسيلَ لها، وفي غَفلةٍ عن أبيها، توهجَت عَبْرَةُ المستهامِ بينهما حدَّ اللهفةَ، في ليلٍ حالِكٍ قد تسلل الفتى في تهلُلٍ منه إلى خلفِ الكوخ، وتحديدًا عندَ أولِ لقاءٍ لهُم تحتَ ضَوءِ القمرِ وهمساتِ المُهجةِ بينهم.
طَرَحَت أوجين على والدِها ما حَصل، لكِنَهُ سُرعانَ ما غِضبَ منها؛ لأنها لم تُخبرهُ منذُ البدايةِ ماذا جرى!
قررَ جيدن الذهابِ إلى أبِيها لإخبارِه بأنه يُريدُها في كَنَفهِ، وسوفَ يكونُ الجناحَ الذي تستظلُ بهِ، عندما رأيتها أولَ مرةٍ؛ أحسَسَتها في أدَمَتي، فقد تمَناها القلبُ هوَسًا، سوفَ تكونُ طالبتِي ولهفتِي في حضرتِي، فهل أستأذنُكَ بها؟
وبعدَ الحديثِ الذي فاضَ حُبًا بينَهم، قال: نعم، فوافقَ الأبُ على طلبهِ راضيًا، فأصبحَا طيرًا في جَسدٍ واحِد.
0 تعليقات