إنضم لنا

مجلة مبادرة ادعم موهبتك

المدينة الغارقة، بقلم: محمد الخطيب

 على ظهر يختهم الفاخر الذي إذا شق طريقه في المحيط حجب ضوء الشمس عن أطلانتس -المدينة الغارقة- بكبرها، في مساء أحد ليالِ البحر الهادئة إلا من صوت قرع الكؤوس والطبول و رن أوتار القيتار، يقضي فاحشوا الثراء كما ينعتهم ذوو الملابس القصيرة والأحذية البالية ليلةً من ليالي إجازتهم السنوية الثالثة لهذا العام، كل شيءٍ على ما يرام، الشواء لذيذ، والكؤوس مملوءةٌ بأجود أنواع النبيذ، والموسيقى جميلة، والأحاديث كعادتها لا تخلو من الرذيلة، والجميع سعيدٌ -إلا أنت يا أيها المتعطش للدراما، فعلا أنك مفسد للحظات السعيدة، سأتركهم يسمرون وأُعجل لك بما تريد حتى لا تغضب يا قارِئنا العزيز- . 


يصحوا المترنحون من سكرتهم على صوت سقوطٍ قوي لفت أنظار الحاضرين نحو إحدى الشرف، الشرفة التي تعلو البهو الأمامي لليخت، ليجدوا رجلا ببدلة بيضاء ملقًى على وجهه ودماؤه تناثرت في المكان، تجمع فاحشوا الثراء وطاقم اليخت على مدخل البهو محلقين حول الجثة محدقين بالسكين المشكوك في ظهرها، تسلل الخوف من أصابع أقدام الحضور حتى وصل الى أعناقهم فأطبق على أنفاسهم، دقيقةٌ من الصمت انقضت قبل أن يتجرأ أحد أفراد الطاقم بقلب الجثة، لم تكن دقيقة الصمت حدادًا على الميت بل تيبُسًا ورعبًا من هول ما رأوه، صاح الشاب الجريء: إنه الدكتور نوح. 


لم يستطع الحاضرون تمييز ملامحه لأن عظام وجهه كانت محطمةً كلوح زجاج ابتلع أربع رصاصات في زواياه، بدأت الأصوات الخافتتة تسمع واحدًا تلو الآخر، هل هذا هو الدكتور؟، ملامحه ليست واضحة، هل كان الدكتور يرتدي بدلة بيضاء؟ فسكتت الأصوات عندما تحدث الوزير منير قائلاً: أنه الطبيب نوح، لا يرتدي بدلات التوكسيدو إلا أنا والدكتور نوح، وهذه الجثة ليست لي كما ترون - وأتبعها بضحكة صفراء لم يشاركهه إياها أحد - . 


اسمح لي عزيزي القارئ أن أعرفك بالضحية الاول 

الدكتور نوح هو الطبيب الأول في البلاد ولا تستعصي عليه عملية مهما بلغت صعوبتها بل وهو الوحيد الذي يجري جراحة القلب في البلاد أيضا، وهذا الصيت الواسع نوله إدارة المستشفى المركزي في العاصمة. 


لنعد إلى القصة....

بعد فاجعة الأمس نام الجميع في ذعر، وما أن رفعت السماء جفنها الناعس عن شمسها حتى استدار الربان باليخت عائدًا إلى البلاد ليخبر الشرطة بما حدث وينجوَ هو والبقية، قبل موعد الإفطار من اليوم ذاته يسأل الطاهي ربان السفينة مستقصيًا عن الزمن المتبقي حتى يصل اليخت إلى البلاد، فأجابه الربان: ثلاثة أيام وليالٍ، لم تسأل؟ اختلق الطاهي حُجة أنه يريد أن يطمأن من توفر المأونة الكافية حتى موعد الوصول، الربان أذكى من أن يصدق ذلك فقد كان من المقرر قبل الحادثة استمرار الرحلة لعشرة أيامٍ أخرى، بقي الربان ملقيا أذنه عند الطاهي أثناء مغادرته قمرة القيادة فسمعه يتمتم: ثلاثة أيام كافية لقتل أربعة خنازير. 

إرسال تعليق

0 تعليقات