إلى من رحل.
ذي قلبٍ من حجر
ولكنه غير باقي البشر.
فهو من اعتادت عيني للقائهِ السهر.
إلى من أسكنني في رحيلهِ مقعدًا في السقر.
حالي من بعدك حالكٌ، وروحي تطالب بالسفر.
إليكَ أيها الحجر.
يُقال أن الانتظارَ أصعبُ من الموت.
هذا ما أدركتهُ بعدَ رحيلك، فأعلنتُ الحدادَ، وهاج نواحي بلا صوت .
غابَ الحبيبُ، وبقي قلبي مدينةً مهجورة لم يسكنها أحدٌ بعده.
غابَ الطبيبُ، فبقيت روحي متألمة، مكسورة فدواءها مازال عنده.
غابَ النصيبُ، وبقيت أحلامي مشتتةً، ضائعة فقدري ينتظرُ رده.
الوردةُ تذبلُ إن غابَ ساقيها، فليتهم يعلمون حينَ ينشغلون ماذا يفعل بنا غيابهم، وكيف يفتتُ أفئدتنا التي تربعوا على عرشها، ولكنهم ملوا البقاء، فرحلوا تاركينَ وراءهم روحًا هيمنَ عليها الشقاء، فانطفأ بريقها بعد أن كانت نجمةً متوهجة في السماء، هل أعترف اعترافًا؟
لم أذرف دمعة يومًا، ولكن غيابهِ أوقد شعلة البكاء.
غابَ الصباحُ، وأتى الليل مرخيًا سدوله على جثماني الهزيل، وغابت الشمس، فحلّ القمرُ حتى يكون لعابرٍ مهتدي السبيل، وعادَ الجندي إلى أهله بعد حربٍ، وأصواتُ الفرح كانت الدليلَ، وعادت بعد وباءٍ قاتلٍ فرحة الشهر الفضيل، كلُ شيء عاد إلى موضعه، إلا أنت لم تعد لموطنك الذي ينتظر حلول طيفكَ عليهِ، لم تعد إلى قلبي الذي ينبض شوقًا باسمك كل حين، أتقنت أنت الغياب، وأتقنت أناُ الحنين، حتى أدمن كل واحدٍ منا ما يتقنه، مازالت تنتفضُ الهواجس بداخلي، تارة تثور، وتارة تهدأ، بل وغيابك فعل بي ما هو أمرّ من ذلك، أعلنتُ بسببه أني غريقٌ هالك، ولم يسمعني أحد، فصدى صوتي ردد اسمك حتى ملأ المكان كله، في غيابك رأيتُ صورتك، ومكانتكَ بوضوح، وأيقنتُ أني أحبك لدرجةٍ جعلت الفوضى تجتاحُ بداخلٍ لبٍ مجروح.
بعد غيابك حاولتُ أن أستجمع نفسي، وألملم بعثرة أشلائي التي انفجرت شوقًا لك، حاولتُ أن أتناساك، ولكن وجدتُ نفسي أتشبث بك أكثر من السابق، لربما حُكم عليّ بأن يكون الشوق لي لاحق، لمجرد أني أحب شخصًا أتقن الغياب أكثر من ظله، جريمتي أني أحببت جلادي بصدقٍ ، وضحيت لأجلهُ بقلبي كله.
غيابكَ بعثر ترتيب نبضات قلبي، وعبث بأضلاعي، واختال قلبي، حتى انهمر سيلُ دمعي، وزاد وجعي، وسقمي، عندما غبت تعلمتُ لأجلك لغةَ الصمت، حتى لا أعاتبكَ على جريمتك، التي أتقنت كل تفاصيلها، ولكنك لم تكملها، فمازال هناك بصيص أمل يتوهج في روحي أن الحنين سيفعل بك كما فعل بي، وستتلاقى طرقنا يومًا ما، وستقع في حبي مرة أخرى، وستلوم نفسك على غيابك عن امرأة مثلي، لا يكررها الزمن، ولا تقدر بثمن، وإلى وقتها ستبقى روحي منتظرة لفؤادٍ عنها رحل، وتجربُ التعافي من جرحٍ مندمل، حتى تعود، وعن انتظارك لن تمل، فغيابك زادها لك حبًا، وهيامًا، هذه ضريبة من يحبِ بصدق، فهل قلبك لي يرق؟
خلود عبد الصمد أحمد
0 تعليقات