إنضم لنا

مجلة مبادرة ادعم موهبتك

كتابة : أسيل ناصر

 هل يُمكن للأب أن يَصْلُدَ ويَكْفَهِرُّ قلبهُ ضدّ ابنته ؟ 

هل يُمكن أن يَنْهَش روحَها ؟ 

هل يُنْفى المَرْءُ من بيتِه وهو داخله ؟

هل تدخل روحه القبر وهو طليقَ الجسد ؟  

نعم ، هذا ما حَدَث معي . تفاصيلٌ لا يُمكن أن يرويها إلا من تَجَرّع ألم معاناة التمييز بينه وبين إخوته، نيرانٌ تَشُبّ في القلب ، وحُزنٌ يلتَهم الرُّوح ، وغُمّةٌ تٌلَطِّخ الحياة ، و وابلٌ من الكَلام والأفعال التي تخْترق الفُؤاد ، وجَذْوةٌ مُلتَهِبة تَبقى حبيسةَ الرّوح حتى تُسْفِر عن حقدٍ وغَضبٍ طالَ احتجازهُما في طيّاتِ القلب .

مُنذُ طفولتي ، وأنا أحاول التَّقرب من أبي ولَكنّهُ سُرعان ما كان يَصُدّني ، كنت منبوذة من قلبه ، وكانت معاملته لي قاصِمة ، غامَت الدنيا في وجهي عندما رأيته ذات يوم يَطبع قبلةً مليئةً بالحب على رأس أخي ، وأنا !! أَلستُ ابنتك ؟ لماذا فضَّلْتَ أخي عنّي ؟ ، كنت تروي روحَه بالحب ، وتروي روحي بالكُره ، كان يَنفطِر قلبي عندما أراكَ وأسمَعك تقُصّ القِصص عليه قبل النوم ، كُنتُما غارِقان في الضّحك ، بينما كنتُ غارقة في دُموعي ، و يا لَوعة النّفس عندما كنتُ أراكَ تدخل المنزل وبيدك لُعبة ، فأَركُض إليك بلهفةٍ ظناً مني أنها لي ، ولكنّك تُنَحّيني جانباً وتنادي على أخي وتحتضنَه وكُلّك شوق وتُعطيه اللُّعبة ، فَتزول لهفتي ، وتأتيني رغبةٌ جامحة لأعترض وأسألك : لماذا لا تُحبّني ؟ لماذا لا تقصّ عليّ القصص ؟ لماذا لا تجلبُ الألعاب لي ؟ أريدُ أن أبكي بحِضنك وتهدأ روحي بترنيمات حروفك وتمسح بيدك على رأسي ، ولكنّ أُفضِّل أن أبقى قابِعةً في زاويةِ الغرفة وأُراقب أخي وهو يلعب بلعبتهِ . 

آآه يا أبي ، كم أشتاقُ لأيّامٍ لم أعشها معك !! لقد كبرتُ يا أبي والحُزن كَبُرَ معي ، أفعالُك حُفِرَت في ذاكِرتي ، وكَلِماتك رُسِمت في فؤادي ، ما إنْ يَتَراءى طيفُك أمامَ ناظِريّ إلا وتَنْهَمرُ الدُّموع ، هل كنتُ أستحِق هذا منك؟

أهذا جزاء حبي لك ؟ .

ها قد رُزِقت بطفلتي الأولى يا أبي ، أتذكر تلك القُبلة التي طبعتها على جبيني في يومِ زِفافي ، لا أدري إن كانت قبلة عابرة أم قبلة حبٍ صادقة !! ولكن أتذكر جيداً كيف تَدَفّقت السعادة إلى قلبي حينها ، شعرتُ بحنانِك لأول مرة ، قُبلتكُ تلك أَخْمَدت الألم الذي بداخلي وَرَوت الأمل الذي كان قد دُفِنَ مُنذُ زمن ، وفي تلكَ اللّحظة انْسالَت الدُّموع على وَجْنتيّ من شدة السعادة ، ما زِلتُ أُحبك يا أبي .

والحب الذي لم تمنحني إيّاه سأمنحُه لطفلتي وإن رزقني اللَّه بأطفالٍ غيرها سأمنحهم القدر نفسه من الحب .

أسيل ناصر


إرسال تعليق

0 تعليقات