أستكتملُ الحكاية؟
أولى خساراتي و أكثرها ألمًا في هذه الدنيا انتَ، خسارتي الأولى التي آذتني كثيرًا، فترتب عليها بعد ذلك خساراتٍ متتاليةٍ مُتتابعة، آلمتني و أبدلت حالي لحالٍ لا يُذكرُ، تعرضتُ لخيبةٍ كبيرةٍ لا تخيلُ إلى بالِ مخلوقٍ.
أرهقني حالي الذي آلت إليهِ ذاتي فبرحيلكَ فقدتُ الطمأنينةَ، ما عُدتُ أشعرُ بها، روحي تشعرُ بالتعب و تناجيني لتستكنَ قليلاً و تهدأ، أما أنا فيراودني تساؤلٌ دائم، كيف لي أن أشعرَ بالسكينةِ مجددًا؟
فقدتُ سعادتي و ما عدت أدركها، فأنا منذُ أن غبتَ عنّي و أنا أحملُ القلقَ بينَ ثنايا فؤادي و أسيرُ تائهةً دونَ وجهةٍ، أرى السعادةَ في وجوهِ المارةِ فاتألمُ خفيةً لأنّي لا استطيعُ الشعورَ بها، أصبحتُ باهتةً مُنطفئةً، و كأنّني كبرتُ مئةَ عامٍ حينما رحلتَ، فيا ليتكَ بقيتَ بقربي، تمدُّني بالسكينةِ و تنيرُ عتمتي.
لا زلتُ عالقةً في ذكرى غيابكَ، أذكرها كأنها واقعةٌ الآن مرّت بي ككابوسٍ لا أريدُ تصديقهُ، كابوسٍ يأبى أن ينتهي قبل أن يُنهيني، لذا حاولتُ مرارًا التشبتَ بأيّ شيءٍ يُشعرني بأنّ كُلّ الأهوالِ التي مرّت ليستْ إلا كابوسٍ مزعجٍ حقًا، فأنا لا أملكُ القوةَ الكافيةَ لتصديقِ واقعٍ مريرٍ كهذا، لكنَ المؤذي في هذه الحكاية أن غيابكَ كانَ واقعًا كُتب لي أن أحياهُ بكافةِ تفاصيلهِ المُتعبةِ المؤذيةِ.
ها أنا الآنَ و بعد مرورِ أعوامٍ و شهورٍ على رحيلكَ، أرافقُ صورتكَ و أحادثها فهي المُتبقيةُ منكَ، أتأملها لساعاتٍ طوالٍ و أحدّثها عن تفاصيلِ أيامي بعدكَ، أتأملها باكيةً بكُلٍ حنينٍ و أسى فأنا مهما تعايشتُ و اعتدتُ غيابكَ، أهزمُ دونَ أن أدركَ، فكلمةٌ، موقفٌ، صورةٌ أو ذكرى تُعيدني إلى نقطةِ البدايةِ، حيثُ أبكي بشجنٍ معلنةً استسلامي لواقعي الذي أحيا.
بين نارِ الاستمرارِ في المسيرِ و نارِ حنيني إليكَ أنا عالقةٌ، فجزءٌ منّي يشدّني الى الامامِ للاستمرار و اتمامِ ما نقص و انهاءَ كلّ انجازٍ بقي في منتصفهِ، أما الجزءُ الآخر فلا يتقبلُ فكرة التعايشِ مع الألمِ، فيسحبني الى الوراءِ خطواتٍ عديدةٍ حيثُ أجلس باكية بجوارِ طيفكَ و ذكراكَ تحطيني يمينًا و شمالاً.
و القرارُ الآن مرتكزٌ على ذاتي، فإما أن أُكملُ حكايتي التي بقيت في المنتصفِ فأتجاوز جميعَ العواقب و الخسارات التي قد تواجهني و أضفي على حكايتي انجازاتٍ و نجاحاتٍ متقبلةً كُلّ الخساراتِ التي قد أمرّ بها و أنهي تلك الحكايةَ بحروفي كما يحلو لي و إما أن استسلمَ لأولِ خسارةٍ مررتُ بها، و أبقى عالقةً عندها منتظرةً انتهاء أجلي، تاركةً ورائي حكايةً في المنتصفِ لم تكتمل.
داريتُ دموعي المنهمرةَ، استجمعتُ روحي المتبعثرةَ ثم هممتُ معلنةً أنّ حكايتي أنا لن تبقى في المنتصفِ يومًا، سأستجمعُ ذاتي قدر الإمكانِ لأكملُ خطّ حروفي باتزانٍ، فطالما نحنُ على قيدِ الحياةِ ما زال هناكَ أملٌ و بالرغم من تتالي الخساراتِ و الآلام، لا زالت قلوبنا مفعمةً بالحياةِ و للحكايةِ بقيةٌ نخطّها.
آلاء عبد الجبار كايد
0 تعليقات