إنضم لنا

مجلة مبادرة ادعم موهبتك

الجرثُومة الجائعة، بقلم : عائشة تمور

 " الجُرثُومة الجَائِعَة "

لَو أنَّ أحًد رَأَى مَا رأيْتُ لشَابَ شَعر رَأسه..

لكنَّنِي مازِلتُ بِمَلامحِي ذاتِها؛ ذُو شَعر وعيُون جَميلَة و وَجه كالقَمر كمَا قالَتْ أُمِّي في ذاتِ يَوم..هلْ تعْلمُون لمَاذا شَعرِي لَنْ يُصبِح أبيَض ناصِع عندما يحِينُ بي وَقت الشَّيخُوخة؟ لأنَّني لا امتلِكُ شعرَة واحِدة لتعطِيني الأمَل! إنَّني مريضٌ ولا أحَد يعلمُ سببَ المرضِ، قالَ لي الطبِيبُ ربَّما جرثُومَة أحبَّت أنْ تداعِبَني فدخَلتْ إلى جسَدي، أو أنَّها أرَادَت أن تأكُل من جسدِي لأنَّها جائِعة و أنا كريمٌ أحِبُّ أنْ أُطعِمَ الجَائِع..إنَّها تُؤلِمني حينَما تأكُل لكنْ قال لي الطَّبيب أنَّ هذهِ الآلامُ من أسنَانِها ذوَات اللَّون الأبيَض الَّتي تعتَني بِهم جيِّداً..سمعتُ في يَوم دخُولي الأوَّل إلى الغُرفة في المشفَى لأُطعِم الجرثُومة صرخَاتُ أمِّي الَّتي كانَت حزِينَة، لا أعلمُ لمَاذا!! كلُّ مَافي الأَمر أنَّها جرثُومة ترِيدُ أنْ تأكُل فَما ذَنبُها بأن تبقَى جائِعة؟ همسَت أمِّي في أُدنَيَّ: الودَاعُ ياحَمَلي ومنْ ثمَّ نَزلَت نقطةُ ماءٍ من أعيُنِها على أسِيلي أعتَقدُ كما سمعْتُ أنَّ اسمُها دمُوع..! دخَلتُ الغرفَة وأنا سعِيد لأنَّني سأقومُ بإطعامِ جرثُومةٍ جائِعة لكنْ لا أعلمُ ما الَّذي حصَل فلَم أعُد أرَى أو أسمَع شيء وبعْدما صحيتُ سمعتُ أمِّي تقولُ لقد فقدَ وعيُهُ! لمْ أفهمُ مامَعنى هذا لكنَّها ربَّما تقصُد أنَّني كنتُ نائماً..اليومُ هو عيدُ الميلادِ الأول للجرثُومة وهي تَتغذَّى من بطنِي الصَّغير..إنَّني مُتعَب لكنَّني سأتحمَّلُ لأصنَعُ من تلكَ الجرثُومة شخصٌ ينتَفع منهُ، أعتقدُ أنَّ سببَ وقوعِ شعري من رأسِي أنَّ الجرثومة أرادَت أنْ تأكلَ شيء مِنه وانزَلق كلَّه..لكنْ لابأَس أخبَرني الطَّبيب أنَّهُ سيعودُ بالظهورِ مرَّة أُخرى.

اليومُ أكتبُ وقد أتمَّت الجرثومَة عامَها الخَامس وهي تَتغذى منْ جَسدي وليس من بطنِي الصَّغير فقَط، لقَد قالَ لي الطَّبيب أنَّ الجرثُومة تكبُرَ مع الإنسانِ وأنَّها تتطلَّب غذاءٍ أكبَر لذلكَ تمتدُّ لكامِل الجسمِ..لستُ حزينٌ إلَّا على ملامِح وجهِي الَّتي تبدُو وكأنَّني مريض لكنْ لا أحَد يفهم أنَّني أُغذِّي الجرثُومة ولستُ مريض!! لقد سمعتُ أمِّي تقولُ أنَّه مرِيض سَرطَان..وقفْتُ لحظةً لمْ أفهمُ ما معنى هذا لكنَّها قالتْ مرِيض والطَّبيب قالَ لي أنَّني أعمَلُ عملٌ نافِع!!ما الَّذي حصَل لمْ أفهَم! اليَوم هو عيدُ ميلادِ الجرثُومة السَّابع في جسَدي، كنتُ أعتقدُ أنَّها جرثومة حقاً وأنَّها مرِيضة وتريدُ أنْ تتَغذَّى، لكنْ بعدَما كبِرتُ وأصبحتُ واعِياً قرَّرَ الطَّبيب أنْ يقولَ لي أنَّي مريضُ سرطَان، لقد كذَبَ الطَّبيبُ عليَّ منذُ البدايَة لكنْ أمِّي لاتكذِب وقالَت لي الحقيقَة منذُ البِداية! لا أعلمُ لماذا خبّأ الطَّبيب ذاكَ الشَّيء عنِّي لكنَّني أصبحْتُ واعياً وقادِر على تحمُّل ذاك المَرض..

اليَوم عيدُ الميلادِ العَاشر للمَرض في جسَدي..كَما قالَ الطَّبيبُ أنَّها آخرُ جرعَة كيماوي سأقُوم بأخذِها أو كَما كنتُ أُسمِّيها لحظةُ غذاءِ الجرثُومة، قال ذلكَ الشَّيء وأتبعَ بعدُها أنَّه غير قادرٍ على سيطرةِ المرض في جسدي! وأنَّني {سأمُوت}..سمِعتُ صوتَ صُراخ أمِّي الَّذي سمِعته منذُ عشرِ سنواتِ مع بدايَتي في المرض، لقدْ كانَ صوتٌ مرعبٌ وهي تصرُخ..! بعدَ شهرٍ من عدمِ أخذِي لجُرعة الكيماوي صرخَت أمِّي بنفسِ الصَّرخة الَّتي صرخَتها منذُ عشرِ سنواتٍ وشهر! لكنْ هذهِ الصَّرخة مختَافة! إنَّها صرخةُ أنِين على مفارقَتي مدى الحياة! خرجَ المرضُ عن سيطرةِ الأطبَّاء والتهمَت الجرثُومة ماتبقَّى من جسدي المُرهَق..الآن يقومُ الأقرِباءُ بوضعِي في كفنٍ ليأخذونَني إلى الرَّاحة النِّهائية وهيَ القَبر..ما زالَت أمِّي تصرَخ وتبكِي وأنَا أحترِقُ من الدَّاخل عليَها لكنَّني غيرُ قادرٍ على القيامِ بتسكِينها..إنَّها الَّلحظات الأخِيرة لوضعِ الثَّرى فوقَ قبرِي..الآن..الجَميعُ ذاهبٌ إلى بيوتِه، وأنا ذاهبٌ إلى الجنَّة بإذنِ الله..!


إرسال تعليق

0 تعليقات