"قساوة حرب"
أشعة الشمس البراقة بدأت تتناثر في كل مكان ، الطيور تغرد فرحا بقدوم خيوط الشمس الذهبية إليها ، الأمل و البسمة يغزوان المكان، اااااه يا له من كلام ينعش الفؤاد، و يجعل الروح تشرق من جديد،
لكنني لم أنعش روحي به يوما ؛ لأن من يمتع يومه بهذه البداية هم معظم الناس الذين لا تلهيهم الحرب ، أما نحن المقيدون بسجن الحياة نبدء أيامنا بقذارة الحروب ،نهضت ذات يوم و الإستنجاد يملىء الأفق ، و هناك أصوات آخرى أعتذر على عدم ذكري لأسمها ؛ لأنني لم أكن أبلغ من العمر سوا خمسة أعوام فلم أكن أينع ما هذه الأصوات، لكن الأمر الوحيد الذي أتبينه عنها بأنها قوية و مرعبة جدا، عانقتني أمي و ضمتني إليها كنت أول مرة لا أشعر بالأمان الكافي بين ذراعيها ،بعدها بدأت تهرول و غيوم الحزن تمطر من عينيها ، أما أنا فبدأ ينبوع الدموع لدي،توقفت بي بعد مسافات طويلة ، كان معنا الكثير من الناس، و بعد القليل من الوقت عدت أسمع تلك الأصوات المريعة ، استهلت الناس بالجري و أنا أنظر لأمي و اتسأل في نفسي: لماذا لم تحملني و تهرول بي ؟؟؟و ما هذا اللون الأحمر الذي يخرج من ...
لم أستطع أن أكمل سؤالي لأجد رجلا حملني و بدأ يعدو بي مع الناس، و أنا أصرخ باسم أمي ،
لم أدرك ما الذي يجري !؟فلقد فقدت الوعي من كثرة الجوع والعطش ، إستمريت عدت أيام و أنا فاقدا للوعي، و بعد أن نهضت رأيت ذات الشخص الذي جرى بي يجلس بجانبي ، بدأت بالبكاء مكررا صراخي: بأريد أمي.
قال لي : لا تقلق يا صغيري أنا بقربك.
مضت الأيام و أنا أسمع ذات الأصوات و في كل يوم أطرح ذات السؤال بصوت عالي :أين أمي ؟؟؟
فيرد لي ذات الجواب: لا تقلق يا صغيري أنا بقربك .
هاد قد أصبح عمري سبع سنوات و تمنيت لو أنه لم يصبح فلقد أستنبطت الحقيقة المرة بأن أمي قد رحلت روحوها إلى السماء، و أدركت أن ذلك الرجل كان صديقا لوالدي و اسمه أحمد، و أبي طلب منه الاهتمام بي قبل ذهاب روحه إلى السماء أيضا قبل عدة سنوات بإحدى المعارك ،كان يهتم بي كثيرا و يسعى جاهدا أن لا يشعرني بالوحدة، يواسيني و يحاول إشغالي بأي أمر ، كان دائما ما يريد أن يكلمني لكنني لا أجيب عليه بل التزم الصمت و التأمل في الواقع الرديء ،بدأ العم أحمد يلقنني عن الزراعة فكان من الواجب أن ألقن أي شيء بهذا العمر،بينما من المفترض أن أدرس الحروف لكن قباحة الحرب ارغمتني على ذلك، فتعلمت الكثير من المهن بهدف إتمام حياتي التي لو لم يحرم عليي إنهائها لأنهيتها ، لم أعد أسمع الأصوات التي أيقنت فيما بعد أنها تدعى رصاص و قنابل و .....، لكنني أصبحت أصغي إلى ما هو أردأ من أدوات الحرب فصار سمعي مقيد بأنين الناس أما عيني فتريان البكاء الملطخ بدماء الأبرياء ،مضت الأعوام في عمري بين النوم و النهوض الباكر و العمل مع الشمس، فكنت أعمل منذ إمساك سلاسل الشمس لوجهي حتى تركها له،مع التزامي الصمت الكامل و كأنه ذات اليوم يعيد نفسه ،و لو أردت تدوينه لكانت ذات الكلمات في كل صفحة ،أضحى عمري ١٠ سنوات ،كانت ١٠ سنوات من الحزن و التعب و الإرهاق و مازالت متعاقبة و الأسئلة في نفسي أيضا متعاقبة ، فما جرمي و جرم أطفال أن ننام في الأزقة أو على الحجارة في الغابات ، و أن لا نتعلم و لا نضحك أن نعلم بكل شي بوقت متأخر!!؟؟؟، فمنذ قليل من الشهور حتى أدركت أن ذلك الشيء الذي خرج من رأس أمي كان دما و لونه أحمر ، بدأنا نطلع على الأحرف !!!نعم في هذا السن المتأخر ، لكن أقنعت نفسي بالمثل الذي يقول : ( أن تصل متأخرا خير من ألا تصل أبدا) ،حاولنا التطوير من أنفسنا كانأس نجو بأعجوبة من بين الدماء ، لكن الفرحة بالتطوير لا أظن أنها من نصيبنا، فلقد عدنا للجري خوفا من أن ينهدر دمنا على الأرض، لكن العم أحمد أنهدر دمه على ذلك التراب و طهره من أثار أقدام من بدأ بتلك الحروب، التي جعلتنا ننام في الأزقة و تتبر أعضاء بعضنا و يصاب البعض الآخر بالعزلة و الآخر بأمراض قلبية و .... و غير منعنا من الأحبة و العلم ، بعد الهرب من أصوات المدافع و وفات العم أحمد و الهرب إلى مدينة آخرة ،أدى بي المطاف إلى أن أكون عاملا في منازل أحد أثرياء المدينة التي قادنا الطريق إليها ، لم يكن لديه أطفال فطلبت منه زوجته أن تعتني بي و كأنني طفل لها فوافق على ذلك ،أرسلوني إلى المدرسة كنت ادرس طوال الوقت و أغرق بين السطور و الكلمات، بدأت حياتي تنقلب رأسا على عقب أضحت حياتي كلها بين الأقلام و الأوراق ، أنقلبت حياتي علميا و معيشيا للأفضل بمئتي مرة ، لكن الانعزال بقي صامدا بقربي، فالفراغ الذي خلد في شرايين فؤادي مازال و لن يتغير، سحقا لحرب انهكت ارواحنا.
0 تعليقات