هل يُمكن للأب أن يَصْلُدَ ويَكْفَهِرُّ قلبهُ ضدّ ابنته ؟
هل يُمكن أن يَنْهَش روحَها ؟
هل يُنْفى المَرْءُ من بيتِه وهو داخله ؟
هل تدخل روحه القبر وهو طليقَ الجسد ؟
نعم ، هذا ما حَدَث معي . تفاصيلٌ لا يُمكن أن يرويها إلا من تَجَرّع ألم معاناة التمييز بينه وبين إخوته، نيرانٌ تَشُبّ في القلب ، وحُزنٌ يلتَهم الرُّوح ، وغُمّةٌ تٌلَطِّخ الحياة ، و وابلٌ من الكَلام والأفعال التي تخْترق الفُؤاد ، وجَذْوةٌ مُلتَهِبة تَبقى حبيسةَ الرّوح حتى تُسْفِر عن حقدٍ وغَضبٍ طالَ احتجازهُما في طيّاتِ القلب .
مُنذُ طفولتي ، وأنا أحاول التَّقرب من أبي ولَكنّهُ سُرعان ما كان يَصُدّني ، كنت منبوذة من قلبه ، وكانت معاملته لي قاصِمة ، غامَت الدنيا في وجهي عندما رأيته ذات يوم يَطبع قبلةً مليئةً بالحب على رأس أخي ، وأنا !! أَلستُ ابنتك ؟ لماذا فضَّلْتَ أخي عنّي ؟ ، كنت تروي روحَه بالحب ، وتروي روحي بالكُره ، كان يَنفطِر قلبي عندما أراكَ وأسمَعك تقُصّ القِصص عليه قبل النوم ، كُنتُما غارِقان في الضّحك ، بينما كنتُ غارقة في دُموعي ، و يا لَوعة النّفس عندما كنتُ أراكَ تدخل المنزل وبيدك لُعبة ، فأَركُض إليك بلهفةٍ ظناً مني أنها لي ، ولكنّك تُنَحّيني جانباً وتنادي على أخي وتحتضنَه وكُلّك شوق وتُعطيه اللُّعبة ، فَتزول لهفتي ، وتأتيني رغبةٌ جامحة لأعترض وأسألك : لماذا لا تُحبّني ؟ لماذا لا تقصّ عليّ القصص ؟ لماذا لا تجلبُ الألعاب لي ؟ أريدُ أن أبكي بحِضنك وتهدأ روحي بترنيمات حروفك وتمسح بيدك على رأسي ، ولكنّ أُفضِّل أن أبقى قابِعةً في زاويةِ الغرفة وأُراقب أخي وهو يلعب بلعبتهِ.
آآه يا أبي ، كم أشتاقُ لأيّامٍ لم أعشها معك !! لقد كبرتُ يا أبي والحُزن كَبُرَ معي، أفعالُك حُفِرَت في ذاكِرتي ، وكَلِماتك رُسِمت في فؤادي ، ما إنْ يَتَراءى طيفُك أمامَ ناظِريّ إلا وتَنْهَمرُ الدُّموع ، هل كنتُ أستحِق هذا منك؟
أهذا جزاء حبي لك ؟
ها قد رُزِقت بطفلتي الأولى يا أبي، أتذكر تلك القُبلة التي طبعتها على جبيني في يومِ زِفاف، لا أدري إن كانت قبلة عابرة أم قبلة حبٍ صادقة !! ولكن أتذكر جيداً كيف تَدَفّقت السعادة إلى قلبي حينها ، شعرتُ بحنانِك لأول مرة ، قُبلتكُ تلك أَخْمَدت الألم الذي بداخلي وَرَوت الأمل الذي كان قد دُفِنَ مُنذُ زمن ، وفي تلكَ اللّحظة انْسالَت الدُّموع على وَجْنتيّ من شدة السعادة ، ما زِلتُ أُحبك يا أبي.
والحب الذي لم تمنحني اياه سأمنحُه لطفلتي وإن رزقني اللَّه بأطفالٍ غيرها سأمنحهم القدر نفسه من الحب
ملاحظة : القصة لا تحاكي واقعي ، ولكنها تحاكي واقع الكثيرين
أسيل ناصر
0 تعليقات